بقلم :علي القرني
منذ أن أنشأ حمد بن خليفة قناة الجزيرة الفضائية عام 1996م بدأت القناة عصراً جديدة من الإعلام وإظهار وجهاً آخر للإعلام مختلف بالكلية عما عودتنا عليه القنوات الحكومية بشكل تجعلنا مجبرين أو مختارين على متابعتها...
عاش المواطن العربية عقوداً وهو غائب أو مغيب عن مايدور حوله من الأحداث جاهلاً بما يعتري العالم حتى أنني لا أبالغ أن بعضهم لا يعرف عدد الدول العربية أو رؤساؤها حيث الإعلام الحكومي يبرز من يريدك أن تراه ويخفي من لا يريد..
جاءت قناة الجزيرة هذه المرة بشكل مختلف فقد عرفت شغف الإطلاع والمعرفة لدى الشعب العربي وليس أدل على ذلك من الشهرة الواسعة لإذاعة القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية أو ما يعرف عند العامة بإذاعة لندن، وكأن مسؤولي الجزيرة أدركوا أو تداركوا هذه النقطة فقاموا بأخذ هذا النموذج الفريد و قولبته بشكل مثير يضرب على الوتر الحساس لتقوم بتبني شعار الرأي والرأي الآخر وعلى هذا الأساس قامت القناة بإستضافة المعارضين العرب في وقت لم يكن يعلم أحد أن هناك من يعارض القائد! أو حتى يُلمح لذلك؛ وكانت أول قناة عربية تُظهر مسؤولين إسرائيليين على شاشتها.
تسابق المعارضون العرب للحصول على شرف استضافة القناة لهم ليظهروا للشعوب العربية ولأول مرة عبر قناة عربية، و كان أولئك القوم يضمرون في أنفسهم بأن القناة لن تستمر بسبب النفوذ القوي للدول العربية على دولة صغيرة كقطر، وهذا ما يفسر الجرعة القوية والانتقادات وحتى السب والتجريج للمسؤولين العرب من قبل المعارضين حتى يضمنوا أن الرسالة قد وصلت للشعب العربي قبل إيقاف هذا المنبر الذي لا يقدرونه بثمن.
انتشر صيت القناة وأصبحت القناة الأولى والأكثر مشاهدة في العالم العربي وساعد في ذلك الأحداث التي كانت تمر بها المنطقة آنذاك.
لا أريد أن أتطرق للمشاكل التي تسببت بها سياسة قناة الجزيرة بالنسبة لقطر مع دول الخليج و بعض الدول العربية والتي وصلت إلى حد طرد السفراء.
ظل لهذه القناة جمهور داخل النطاق العربي حتى جاء ما يعرف بأحداث 11سبتمبر عام 2001م والحرب على أفغانستان إثر ذلك وبث القناة لأحداث الحرب بشكل حصري (لأنها القناة الوحيدة داخل المنطقة التي تسيطر عليها حركة طالبان والقناة الوحيدة المسموح لها بالتغطية هناك) و بثت القناة صور القتل والدمار وبالتوازي إعتبرت القناة الوحيدة والتي تبث أشرطة لتنظيم القاعدة آنذاك مما جعل للقناة شهرة واضحة في العالم.
كذلك لا يخفي على عاقل تغطيتها لحرب العراق وخاصة حرب الفلوجة وغيرها من الأحداث.
في ظل تمكن هذه القناة من المشاهد العربي و تعذر وجود المنافس لهذه القناة حتى الثالث من شهر مارس من عام 2003م حيث تم افتتاح قناة إخبارية تابعة لمجموعة mbc وإختير لها اسم "العربية" ولعل القائمون على القناة أرادوا أن يكون لها من إسمها نصيب ولكن عندما تعطي السنارة لغير الصياد فلا تنتظر السمك!
كانت قناة العربية رائعة في بدايتها عندما كان صالح القلاب مديراً لها حيث كان للقناة هدف واحد وهو إزاحة البساط من تحت قناة الجزيرة.
نجحت القناة إلى حدٍ ما في جلب جمهور عربي لا بأس به ولكن بدأت القناة تنحى منحاً آخر غير ما خُطط لأجله فعندما تولى رئاستها رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط آنذاك عبدالرحمن الراشد قلب القناة وجهاً على عقب و جعلها أشبه بالبوق الأمريكي في الشرق الأوسط فأصبحت القناة تتبنى وجهات النظر الأمريكية حيال المنطقة تدافع عنها بشكل غبي يثير السخرية و بشكل فيه ما فيه من استخفاف بعقل المواطن العربي ، و بدأ جمهور القناة يتناقص وبالمقابل قامت قناة الجزيرة بالعكس تماماً فقامت بمعاداة المشروع الأمريكي والإسرائيلي في وقت كانت الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين في أوجها بسب أحداث 11 سبتمبر مما جعل جمورها يعقد معها أشبه ما يكون بالولاء الأبدي.
وقد يكون هذا درس لأي قناة منافسة بتغيير سياستها أو طاقمها الإداري وهذا للأسف ما لم يحدث في قناة العربية حتى الآن ولا أعلم لماذا.
لقد وصل كره قناة العربية في أوساط الشعوب العربية حدأ وسموا فيه القناة بـ"العبرية" في إشارة لسياستها المضادة للشعوب العربية وحتى أن المتابع لهذه القناة يشعر بأنها قناة تهتم بالشكل والديكور والإخراج أكثر من اهتمامها بالمعلومة والخبر. فعلى سبيل المثال:
نرى أن برنامجاً يعرض على القناة هذه السنة بمسمى و مونتاج معين ونتفاجأ بعد سنة أو سنتين بنفس البرنامج يعرض مرة أخرى ولكن بمسمى آخر ومونتاج مختلف وبنفس المادة العلمية حتى أنهم أحياناً لا يكلفون أنفسهم عناء تغير موعد بث البرنامج عن وقته السابق!
ومرة أخرى استخفاف بعقل المشاهد العربي فبدل أن يحاولوا تطوير القناة من الناحية الإخبارية والشمولية قاموا بتوظيف (ملكات جمال) على الشاشة لجذب جمهور عربي! وحتى أن بعضهم وصفها بقناة عارضات الأزياء (أعتذر للقاريء الكريم ولكن من حقه معرفة ما أعتقد أنها الحقيقة).
هناك الكثير من الأسباب التي لا تجعل هذه القناة منافساً أو حتى قريباً من منافسة قناة الجزيرة.
ولعل أقرب منافس لقناة الجزيرة حالياً هي قناة BBC عربي و لأن القناة لها ميزانيتها المحدودة ورواتبها المتواضعة مقارنة برواتب وميزانية قناة الجزيرة فأعتقد أن وجه المنافسة لحد ما ليس مقنعاً.
لا يخفي على كل ذي لب فضل القناة في كشف حقيقة العدوان على قطاع غزة وكشف المؤامرات الصهيونية على فلسطين.
لا ننكر دور القناة في الدفاع عن الحقوق الشرعية للعرب والمسلمين ولكن لا بد من نقص وزلل ولعله زللٌ عن زلل:
القناة مرتبطة ارتباط شبه كلي من الناحية المالية مع قطر وهذا ما يجعل في الخاطر مافيه.
القناة مداهنة بشكل كبير للشيعة ولإيران وأشك أن القائمين عليها يعلمون حقيقة إيران أو أنهم يعلمون ذلك ولكنهم يعتبرونها سياسة مرحلة.
القناة تتحامل بشكل أو بآخر على السعودية وعلى النهج السلفي (نهج السلف الصالح رحمهم الله) وتعتبرهم متشددين!
وغيرها من الملاحظات التي لا تحضرني الساعة.
أخيراً:
ليس لأن قناة العربية بأموال سعودية يجعلني ذلك مصفقاً لها و مسدياً لها عبارات الإعجاب وذلك لأننا أصحاب كلمة سيحاسبنا ا الله عز وجل عليها.
يقول القائل:
إذا أخبرتك قناة العربية بأن في البحر سمكاً فإن قناة الجزيرة تغطس بك البحر لتريك السمك!
الإثنين: 4ربيع الأول 1432هـ
7 فبراير 2011م